تحليل لماهية لوسيفر وإشكالية الخيانة والبطولة في رواية مأساة إبليس للروائي محي حافظ

 

 تحليل لماهية لوسيفر وإشكالية الخيانة والبطولة في رواية مأساة إبليس للروائي محي حافظ 




قراءة تحليلية في عمق الأنا، والآخر،

بقلم  د منال الشربيني  مصر  🇪🇬

١

يحمل عنوان رواية "مأساة إبليس" في طياته دلالاتٍ عميقة، ومتعددة تستدعي تحليلًا تفنيديًا مرجعيًا.  تشير كلمة "مأساة" في اللغة العربية إلى حدث جلل ومفجع، غالبًا ما ينتهي بنهاية تعيسة أو كارثية. جاء في معنى المأساة، أنها معاناة نبيل يسقط ضحية (المعجم الوسيط، د.ت.)، أما في السياق الأدبي، تعتبر "المأساة" جنسًا أدبيًا عريقًا يعود إلى المسرح اليوناني القديم، وفيها يبدو البطل تراجيديًا ذي صفات حميدة ولكنه يعاني من "هامارتيا/ Hamartia/ missing the mark،"/ أو الضلالة، التي يقوده إلى الهلاك. تهدف المأساة إلى إثارة مشاعر الشفقة والخوف لدى الجمهور، وتحقيق ما يعرف بـ "التطهير" (Catharsis) (أرسطو، القرن الرابع قبل الميلاد/2011)، ومن المنظور النفسي، تثير كلمة "مأساة" مشاعر الحزن العميق، والصدمة، والشعور بالظلم. يمكن أن ترتبط بتجارب الفقدان الكبيرة، أو الصدمات النفسية، أو الشعور بالعجز التام أمام مصير مؤلم (American Psychological Association, 2020)، ولكن، هل لوسيفر في هذه الرواية، كما تشير دلالة العنوان، مخطيء، أم بطل؟! إذ إن دلالة  لفظة "مأساة" تشير إلى ألم نفسي، وقهر عانى منها إبليس، فهل كان يتألم؟ ومن أي شيء، وهل هو كرمز للشيطان، أو النفس الأمارة بالسوء، كان مضطرًا لقبول وضع حطَّ من كرامته، فلم يحتمل، فتمرد، فعصى؟ كل هذه أسئلة يطرحها بشدة عنوان الرواية، إلى الحد الذي يجعل القاريء، ربما، يتعاطف معه.. فهل هذا أمر وارد؟!

 وفي الأدب والأساطير، تجاوزت شخصية إبليس مجرد كونه تجسيدًا للشر المطلق، إذ يُنظر إليه كرمز للحرية الفردية، أو التحدي للسلطة، أو حتى كضحية لقدره المحتوم. يثير حضوره في الأعمال الأدبية أسئلة فلسفية عميقة حول طبيعة الخير والشر، والإرادة الحرة، والعدل الإلهي (Bloom, 2007).

عند دمج الكلمتين في عنوان واحد، "مأساة إبليس"، تنشأ توليفة دلالية قوية ومثيرة للتساؤلات، حيث يوحي ربط "إبليس" بـ "المأساة" بأن هذا الكائن ذاق نصيبًا ما من المعاناة والألم، ما يفتح الباب أمام استكشاف دوافعه، وصراعاته الداخلية، وربما حتى جوانب مظلمة في قصته، فهل سمعنا الحكاية كلها من طرفين، أم اكتفينا بوجهة نظر واحدة، ولجهلنا بتأويلها، خرجت أحادية الحكم بشكل أبدي أزلي، وهل من حقي كناقد أن أطرح مثل هذه الاستبيانات، أم يخرج أحدهم ليرميني باللعنات، ويتهمني بالخروج؟ ولم لا يكون الأمر قيد التأويل طوال الوقت، ولماذا نتعامل مع قضيته دون تكليف من يفند أسبابه، دوافعه، ويعرض للأمر من وجهة نظره هو، فلربما كان هناك جانب خفي، ربما يكتشفه أحدهم، من باب:" أفلا تعقلون"، " أفلا تتفكرون"، " أوليس لهم قلوب يفقهون بها"، أو حتى "  وجعلنا بعضكم لبعض فتنة، أتصبرون؟!،( الفرقان، ٢٠)"  

تتناول الرواية من خلال "مأساة إبليس" أسئلة حول طبيعة الشر: هل هو معادل موضوعي لمنطقة اللاوعي المدرك للغاية،والذي فيه تتخزن كل المشاعر والذكريات السلبية، التي تظهر جلية حين يغيب الوعي بالنوم، أو الغيبوبة، أو الغضب؟

هل يمكن اعتبار لوسيفر ويهوذا معادلين موضوعيين لإرادة الرب؟، هل تسمح لنا عقولنا باستضافة هذه المأساة قليلًا، كي نُعْمِلَ كلمات الرب: {أوليس لهم قلوبٌ يفقهون بها؟}، أو حتى نُبَدّل اسمه إلى " فلان"، العاصي، المخطيء، أو الخطَّاء، كي نمنح عقولنا فرصة تقبل الاستماع إلى معاناته؟ وهل ينتهي الأمر إلى لعنِهِ، أم إلى تمجيده؟ أريد فقط أن نمنحه فرصةً ليقول لنا:"من نحن؟!"

في المجمل، يشير العنوان إلى أن إبليس/ أو اختر له ما شئت من أسماء، هو نفسه هو البطل التراجيدي للرواية، الذي يعاني من صراع داخلي أو يواجه مصيرًا محتومًا يثير الشفقة والخوف، ولِمْ لا، فقد غلبت عليه شقوته وألمه، وانطلق منهما ليصب غضبه و حنقه على من هيأت له مخيلته أنه أقل منه جبلةً، وهنا يفرض سؤال نفسه: " هل شقي إبليس وتألم لأنه لم يعد محور الحديث؟، هل شقي لأنه رأي من هو أشد منه ظلمًا وعدوانًا، وهل كبر في نفسه أن يعظم من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وأيهما أكثر شقاءً. المتكبر أم الذي يعيث في الأرض فسادا؟

وعليه، يدعو العنوان القارئ إلى التفكير في إمكانية وجود بعد إنساني أو مأساوي في قصة إبليس، مما يفتح آفاقًا واسعة لاستكشاف موضوعات الشر، والإرادة الحرة، والمصير، من منظور مختلف.

الليلة السابعة:

تحمل دلالة الرقم سبعة ("٧") في سياق عنوان فرعي مثل "الليلة السابعة" ضمن عمل أكبر بعنوان "مأساة إبليس"، دلالات متعددة تتشابك مع السياق العام للمأساة والشخصية المحورية،، مما يستدعي من يهمه الأمر إلى استكشاف الأهمية الثقافية والدينية والأدبية للرقم سبعة، وكيف يمكن أن تتفاعل هذه الدلالات مع طبيعة "مأساة إبليس".

في العديد من الثقافات والديانات، يحمل الرقم"٧" دلالات الكمال والتمام؛ في الديانات الإبراهيمية، يرتبط خلق العالم بسبعة أيام (الكتاب المقدس، سفر التكوين؛ القرآن الكريم، سور متعددة). كما أن هناك سبع سماوات وسبع أرضين (الطبري، د.ت.). يرتبط الرقم سبعة ودورة القمر (أربعة أسابيع تقريبًا، وكل أسبوع سبعة أيام) ودورات طبيعية أخرى ما يجعل القاريء يفكر كثيرا في هذا الارتباط بالزمن والدورات، الأمر الذي يشير بدوره إلى مرحلة محددة أو نقطة تحول في سياق "مأساة إبليس؛ يظهر الرقم سبعة بشكل بارز في العديد من الطقوس والمفاهيم الدينية. على سبيل المثال، الطواف حول الكعبة سبع مرات في الإسلام، و الشمعدان السباعي في اليهودية، والأسرار السبعة في الكاثوليكية. هذه الأهمية الروحية قد تشير إلى بُعد ديني أو روحي في الأحداث التي تجري في "الليلة السابعة" من مأساة إبليس، ربما تتعلق بالتوبة، أو العقاب، أو الكشف الإلهي، رأوا، ربما، هنالك جانب مخفيٍ، وراء النص، فماذا لو أبدلنا لقب " لوسيفر" بلقب آخر مثل عامر، أو جرجس، أو بنيامين، أو سونيا، مثلًا،هل يحدث ذلك فرقًا، إن تشابهت الأحداث، والنتائج، التي تعني في نهاية المطاف العصيان، التمرُّد، التبجح، تسهيل طرق الشر، الغواية؟

 قد تمثل "الليلة السابعة" نقطة تحول حاسمة في تطور "مأساة إبليس". يمكن أن تكون ليلة ذروة الصراع، أو ليلة انكشاف حقيقة مؤلمة، أو ليلة اتخاذ قرار مصيري يؤدي إلى الهلاك أو الفداء، أو القدر، أو إرادة الرب. وبالنظر إلى ارتباط الرقم سبعة بالدورات الزمنية، قد تشير "الليلة السابعة" إلى نهاية دورة معينة وبداية دورة جديدة في تجربة إبليس. يمكن أن تكون نهاية مرحلة من حياته (بمعناه الأسطوري أو الرمزي) وبداية مرحلة أخرى، ربما تتسم بمزيد من المعاناة أو الندم، أو القوى الخارقة، هنالك أيضًا الخطايا السبع المميتة، و العجائب السبع في العالم القديم، وفي سياق ؛ مأساة إبليس" تشير "الليلة السابعة" إلى حدث ذي طبيعة استثنائية أو ذات تأثير عميق على مسار المأساة.

عند دمج دلالات الرقم سبعة مع العنوان العام "مأساة إبليس"، يمكن استخلاص بعض الاحتمالات:

قد تمثل "الليلة السابعة" اكتمال دورة زمنية من عذاب إبليس أو صراعه. ربما وصلت معاناته إلى ذروتها في هذه الليلة.، أو قد تكون "الليلة السابعة" هي الليلة التي يواجه فيها إبليس حقيقة مصيره بشكل كامل، أو الليلة التي يتخذ فيها قرارًا نهائيًا يؤثر على مسار مأساته.

...

يُتْبَع...

المصادر:

American Psychological Association. (2020). Publication manual of the American Psychological Association (7th ed.).

أرسطو. (2011). فن الشعر (عبد الرحمن بدوي، مترجم). دار الشروق. (العمل الأصلي نشر في القرن الرابع قبل الميلاد).

Bloom, H. (2007). Satan: A biography. Vintage Books.

مجمع اللغة العربية بالقاهرة. (د.ت.). المعجم الوسيط. دار الدعوة.


Mirror news Arabia 




تعليقات

Megastar

القصيدة العصماء "عند كعبتها سجد الحبّ" د حكيمة جعدوني الجزائر 🇩🇿

سر معجزات قميص يوسف عليه السلام

يوافق اليوم الذكرى الرابعة والثمانين علي ميلاد الفريق مجدي حتاتة

المؤمنون أهل حِلم وصبر وتواضع وتسامُح وحَياء

“Beyond the Curtain: Voices That Refused to Stay Quiet”

بليغ حمود سعيد ذمرين...استيقظ.. اليمن 🇪🇬