أحمد عزيز الدين يكتب متى يهدأ العالم؟ 🇪🇬
متى يهدأ العالم؟
على هذه الأرض الممتلئة بالأنين، يتكرر السؤال في صدور البشر كما تتكرر المواجع:
متى يهدأ العالم؟
هل تنام الأرض ذات مساء دون أن توقظها أصوات المدافع؟
هل ينقضي يوم لا يموت فيه طفل تحت الأنقاض؟
هل تهدأ السماء من غضبها؟
هل يرفق التاريخ بالبشر ولو مرة؟
من فلسطين إلى السودان، ومن سوريا إلى الكونغو، تتناثر الجراح وتُسحق الأحلام تحت أقدام الجبابرة. العالم لا يهدأ، لأنه مشغول بإحصاء الضحايا لا إنقاذهم، منشغل بتقسيم الخرائط لا تضميد الجراح.
فلسطين وحدها صارت عنوانًا خالدًا للخذلان، والعدوان عليها مستمر، في صمتٍ عربيٍّ ودوليٍّ مخزٍ.
وفي ميانمار، لا تزال الأقليات تُباد أمام شاشات عمياء.
وفي السودان، تموت المدن مرتين: مرة بقذائف الحرب، وأخرى بنسيان العالم لها.
كل ذلك يحدث بينما تجلس "الإنسانية" في مقاعد المتفرجين، تكتب بيانات الاستنكار، وتعدّ تقارير الإدانة، ثم تنام قريرة العين.
أما الشعوب، فهي من تدفع الثمن: بالدم، بالجوع، بالشتات.
فلماذا لا يهدأ العالم؟
لأن الظلم يحكمه، والصمت يبرره، والنفاق يغذّيه.
لأن الإنسان لم يعد أخًا للإنسان، بل عدوًا له إن اختلف الدين أو اللون أو اللغة.
ومتى يهدأ؟
حين تتحقق العدالة لا عندما تسكت البنادق.
حين تُمحى حدود الجشع والكراهية، وتُرسم حدود الرحمة والحق.
سيظل هذا السؤال مفتوحًا على وجع الزمان:
متى يهدأ العالم؟
حتى نعيد بناء العالم على مبدأ الإنسان، لا مبدأ الطغيان.
لكن السؤال الأهم ليس: متى يهدأ العالم؟
بل: لماذا لا نغضب نحن بما يكفي؟
لماذا نتفرج وكأن الدماء لا تعنينا، وكأن الطفل الذي يُنتزع من حضن أمه ليس من لحمنا؟
هل أدمنا العجز إلى الحد الذي صرنا نبرّره؟
هل تهنا في تفاصيل الحياة اليومية، ونسينا أن ما يُبقينا بشرًا هو قدرتنا على الغضب لأجل إنسان لا نعرفه، وعلى البكاء على مآسٍ لم نعشها؟
في قلب كل منا، وطن صغير اسمه "العدل"، ومتى ما خُنّ هذا الوطن، ضاعت الجغرافيا والهوية والإنسانية.
إن العالم لا يهدأ لأننا لا نطالب بهدوئه حقًا، لا نثور كما ينبغي، لا نكتب كما يجب، لا نحلم كما يليق بأبناء الأرض.
فليكن هذا المقال صرخة صغيرة في ظلمة كثيفة.
صرخة لا تطالب بأكثر من حياة عادية لأناس عاديين، تحت سماء عادية، دون طائرات تقصف، ودون دبابات تجتاح.
ربما لن يهدأ العالم غدًا... وربما لن يهدأ في هذا الجيل،
لكننا حين نكتب، حين نرفض، حين نحلم، حين نصرّ على أن الإنسان أسمى من آلة الحرب،
فإننا نضع لبنة في جدار السلام المنتظر.
وحتى ذلك اليوم...
سنظل نكرر، بلا يأس:
متى يهدأ العالم؟
بقلم
أحمد عزيز الدين أحمد
كاتب وروائي وشاعر
تعليقات
إرسال تعليق