رواية تلات ورقات المبدعة بروفسير منال الشربيني مصر
رواية تلات ورقات
المبدعة بروفسير منال الشربيني مصر 🇪🇬
الفصل ٢٢
- بيتنا مات.
هكذا قال ابنها يوسف حين جلسوا إلى مائدة الطعام لتناول الغداء، بعد مرور شهر على زواج ساندرا، فجزعت فريدة، وجاءتها عبارته كرصاصة استقرت في قلبها، فنظرت إليه وهزت رأسها بينما تكتم صرخة انفلتت إلى أحشائها لتعصف بما تبقى لها من شهية للبقاء في الدار، فطارت بهم الذكرى جميعًا إلى دراهم العتيقة بالكويت؛ إلى أيام الجمع في حديقتهم، وتحديدًا إلى حيث يلتفون حول أبيهم الذي كان ينهمك في إعداد اللحم المشوي، وتسيل دموعه من أنفه بينما يقطع قرون الفلفل الحار كي يصنع لهم سلطة المشاوي اللذيذة، ويطرز اللحم وحبات البصل والطماطم وقرون الفلفل الرومي في سيخ الشواء. يتذكرون جيدًا كيف كان يطعمهم بيده، ولا يتذوق الأكل إلا بعد أن يتأكد أنهم جيمعًا قد استمتعوا بغدائهم؛ كان يعرف كيف و متى يشبعون، ثم يبدأ في تناول الخبز المحمص، وما تبقى من طعام. لم يستطع أي منهم أن يغير له عادته في إطعامهم، ولم يره أحدهم يومًا وقد تناول كسرة خبز قبل أن ينظر إلى عيونهم فيرى الشبع، وتذكروا اليوم الذي عاد فيه أبوهم من العمل مبكرًا، فلما دخل المطبخ، لم ينتبه أن من كانت تغسل الصحون هي ساندرا إذ كانت ترتدي رداء أمها الوردي، فاحتضنها من الخلف، ظنًا منه أنها زوجته، فلما استدارت طار عقله، وغضب غضبًا شديدًا؛ لم يره أحد بهذا العنف من قبل، وعلى الفور نادى أمهم صوت هادر، وأمرها ألا تجعل ساندرا ترتدي ملابسها، فقد صارت صبية، لها نفس هيكل ظهر أمها. كانت تلك المرة الأولى التي انتبه الجميع أن ساندرا أصبحت صبية ناضجة، وبعد أسبوعين، زارتهم جارتهم اللبنانية، وفيما بعد، فهم الجميع أنها كانت تطلبها زوجة لابنها الذي يعمل مهندسًا بأمريكا، فرفضت فريدة معللة ذلك بأن العادات في مصر لا تسمح للفتاة بالزواج قبل إتمام دراستها الجامعية. وفجأة قال الإبن الأوسط وهو يضحك ضحكة هستيرية وق غلب على صوته نبرة القهر الذي ارتسم على وجهه خطوطًا زرقاء تقسم عضلات وجهه بحدة إلى خطوط طولية تنم عن ألم مبرح :
- كيف تحول هذا الرجل من أب بدرجة ملك، إلى زوج لأرملة تكبره بخمسة أعوام، ولها ثلاثة أولاد أيضا؟، مالفرق الذي صنعه؟ مالذي حل محل عقله؟. كان يوسف قد بلغ من العمر ثمانية عشر عام حين قال عباراته تلك، فكان لزامًا على فريدة أن تبدو صلبة ومتماسكة أمامه، كي تساعده على تحقيق التوازن النفسي، الذي به، سيتمكن من تكملة مسيرة حياته دون عقد نفسية، أو تداعيات لا سبيل للشفاء منها، لا سيما أنها خططت له أن يلعب دور الأب في حياة أخيه الأصغر الذي لم يلحق من حنان أبيه ورعايته إلا قدرًا يسيرًا لا تنمحي به عنه لفظة " يتيم". اعتدلت في جلستها، وتفحصت وجه يوسف جيدًا، ثم قالت:
- ليس مسموحَا لك أن تتحدث بما يليق عن والدك؛ سيظل له وشمٌ على قلبك ما حييت، شئت هذا أم أبيت.
يُتْبَع...
تعليقات
إرسال تعليق