جسدك يتذكر شيماء حسين العراق

 

جسدك يتذكر

شيماء حسين  العراق 🇮🇶

امنح جسدك فرصة للحديث

جسدك لم يخنك يومًا، بل كان الرفيق الصامت الذي تحمّل ما لم يُقال، وما لم يُفهم. جسدك يستحق أن يُحتضن لا أن يُعاقب. عندما تعود إليه بالرحمة، تُفتح لك أبواب شفاء ربما لم تتوقعها. تذكّر دائمًا:

جسدك يتذكر كل شيء، فهل تستمع إليه؟

عالمنا المتسارع، نعتقد أحيانًا أن الذكريات والتجارب تبقى حبيسة عقولنا، وأن النسيان كفيل بمحو الألم، ولكن الحقيقة الأعمق أن الجسد لا ينسى. جسدك، بصمته الخاصة، يحمل تاريخك الكامل: أفراحك، آلامك، جروحك القديمة، وحتى الكلمات التي لم تُقال.

وأكثر من مجرد عضلات وعظام

وعندما نتحدث عن الذاكرة، يتبادر إلى الذهن المخ، لكن العلم الحديث وعلم النفس الجسدي يثبتان أن الجسد يحمل نوعًا من الذاكرة الخاصة به. ما يُعرف بـ"الذاكرة الجسدية" يشير إلى أن الجسد يخزن التجارب، وخاصة الصادمة منها، على مستوى الخلايا والأنسجة. يمكن للعضلات أن تتوتر بسبب ذكرى معينة، ويمكن لقلبك أن يسرع خفقانه دون سبب ظاهر سوى تذكّر غير واعٍ لحادثة ما

َوعندما يمر الإنسان بتجربة صادمة — سواء كانت فقدانًا، عنفًا، إهمالًا، أو حتى خذلانًا متكررًا — فإن الجسد لا يمر بذلك مرور الكرام. الصدمة التي لا تُعبر عنها بالكلام تجد طريقها إلى الجسد. ربما تظهر كتوتر دائم في الرقبة، أو أرق مزمن، أو نوبات هلع مفاجئة. الجسد، في صمته، يُبقي السجل حيًا.

كم مرة قلت فيها "أنا بخير" بينما يصرخ جسدك بعكس ذلك؟ الأكتاف المشدودة، الأنفاس القصيرة، ضيق الصدر، والصداع المتكرر ليست مجرد أعراض جسدية، بل رسائل من جسدك يخبرك فيها أن هناك شيئًا لم يُحل، لم يُفهم، لم يُداوَ. وفي بعض الحالات، تُترجم هذه الرسائل إلى أمراض مزمنة أو ضعف مناعي.

و واحدة من أعظم المفاهيم التي بدأت تلقى رواجًا في الطب النفسي والجسدي مؤخرًا هي أن الشفاء لا يكون كاملًا إن لم يشمل الجسد. الممارسات مثل التأمل، اليوغا، التنفس العميق، العلاج الحركي، والعلاج بالتدليك، تساعد على إطلاق الصدمات المكبوتة من الجسد. ليس لأن العضلات تحمل الذاكرة فقط، بل لأن الجسد يحتاج إلى سماع أنك بأمان الآن

عندما تبدأ بملاحظة جسدك، وتتعلم الاستماع إلى إشاراته، فإنك تبدأ أول خطوة نحو التحرر. التحقق اليومي من حالتك الجسدية، والاعتراف بالألم، والامتنان لأعضائك، كلها ممارسات بسيطة ولكنها ثورية في طريق التعافي.

Mirror news Arabia